U3F1ZWV6ZTM4MjQwMDIxNTE0NTAyX0ZyZWUyNDEyNTExMjIxODk0Ng==

إخلاق الأخلاق

 



 

لفت أحد مفكرِّي أوروبَّا انتباهي إلى شيء تافه وعظيم في نَفَس واحد! عندما قال: الشَّيء الذي نتعلَّمه من التَّاريخ هو أنَّه لا أحد يتعلَّم من التَّاريخ".

وفي التَّاريخ الأندلسيّ عبرة للحُكَّام والمحكومين، و(مين) يعتبر!

قال المقَّريُّ التِّلمسانيُّ في كتابه البديع "نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرَّطيب"، متناولًا الخُطط الأندلسيَّة بالشَّرح في الجزء الخاص بخُطَّة "الطَّواف بالليل"....

لكن قبل إيراد ما قاله مولانا، نوضِّح أنَّ ما تعنيه مفردة "الخُطط" زمان هو ما تعنيه مفردة "المؤسَّسات" الآن. فكانت في الأندلس مؤسَّسة معنيَّة بـ"الطَّواف بالليل"، وأكيد كانت تابعة لخُطَّة الشُّرطة، المقابلة لوزارة الدَّاخليَّة الآن.

قال المقَّريُّ إنَّ أصحاب "الطَّواف بالليل" اسمهم الدَّرَّابون .

وقال بنصِّه: "لأنَّ بلاد الأندلس لها دروب بأغلاق، تُغلَق بعد العتمة. ولكُلِّ زقاق بائت فيه، له سراج مُعلَّق، وكلب يسهر، وسلاح مُعدُّ.."..

وكأنَّ مولانا يتكلَّم عن الكمباوندات في عصرنا الحالي! مجموعة مباني مقصورة على مكان واحد، لها باب يغلق عليها جميعًا، وحراسة مُشدَّدة. ويُعتبر ساكنوها من أهل الوجاهة.

لكن كمباوندات الأندلس لم تكن للوجاهة، وإنَّما، وبحسب لفظ المقَّريِّ: "لشطارة عامَّتها، وكثرة شَرِّهم، وإغيائهم في أمور التَّلصُّص، إلى أن يظهروا على المباني المُشيَّدة، ويفتحوا الأغلاق الصَّعبة، ويقتلوا صاحب الدَّار خوف أن يُقِرّ عليهم، أو يطالبهم بعد ذلك".

و"الشَّطارة" زمان، هي نفسها "السَّرقة" الآن.

وفلان "شاطر"، تعني فلان "حرامي".

وربما الفرق بين كمباوندات بلادنا وكمباوندات الأندلس أنَّ الحراميَّة كانوا يسكنون خارجها.

الغريب أنَّ الأندلس بلاد خصب ورخاء لطالما تغنَّت بهما كتب التَّاريخ، ومحكومة بالشَّريعة الإسلاميَّة المقيمة للحدود، منها حدّ السَّرقة، مع ذلك، وبلفظ المقَّريّ كانت الأسماع في الأندلس لا تكاد تخلو من سماع: "دار فلان دُخِلَت البارحة"، و"فلان ذبحه اللصوص على فراشه".

هذه إشارة لافتة، من كتب التَّاريخ والأدبيَّات الإسلاميَّة، لمن يظنُّ أن الشَّريعة وحدها كافية لإشاعة الأمن، فالشَّريعة، ومعها الكمباوندات، ومعهما الدرَّابون، لم يحقِّقوا الأمن في الأندلس الخصيب!

شريعة وكمباوندات ودرَّابون على غير أساس من الأخلاق إخلاق.

 

 

 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة