U3F1ZWV6ZTM4MjQwMDIxNTE0NTAyX0ZyZWUyNDEyNTExMjIxODk0Ng==

المرأة القطَّة التفَّاحة


 
نحن الرِّجال، مهما بدت أشكالنا وأوضاعنا الاجتماعيَّة محترمة، لنا مجالسنا التي نتكلَّم فيها بمجون وخلاعة متناهيين يضاهيان مجون وخلاعة الفسَّاق من أهل الحواري والمهن الوضيعة؛ وبواسطة علاقاتي متعدِّدة النَّوعيات بالأنثى عرفت أنَّ النِّساء، أيضًا، مهما ظهرن كسيِّدات مجتمع متأنِّقات، خجولات، لهنَّ مجالسهنَّ التي يتكلَّمن فيها بمجون وخلاعة متناهيين يواكبان مجون وخلاعة رقيعات علب الليل المومسات!

كثيرًا ما هام رجال دولة، كبار، حبًّا بنساء ذوات قيمة اجتماعيَّة ضئيلة؛ غير مرَّة عشقت الأميرات سيَّاس إسطبلات خيولهن؛ فالمناصب والمراكز الاجتماعيَّة، بما يفرضانه من أزياء ومناظر أبَّهة، ليسا غير أقنعة، والحقيقة المؤكَّدة هي أنَّ العالم الإنساني قائم على "مجرَّد رجل" و"مجرَّد امرأة" وثالثهما "الجنس"!

ومع أنَّ مفتاح فهم شخصية "نوريستا"، بطلة رواية "التُّفاحة الأخيرة"، هو الجنس، إلَّا أنَّ كاتبتها، اللبنانية "سونيا بوماد"، مرَّت على اللقاءات الجنسيَّة، بين بطلتها وخاطفها "إيفان"، مرور العذراوات، ربَّات الخدور المستحيَّات، مرورًا لا يكاد يُحس، بينما كنت أحس، كقارئ أولًا، وروائي يده في الصَّنعة ثانيًا، بأنَّ الرِّواية تضج اعتراضًا على مسلك كاتبتها بخصوص هذا الشَّأن، وأنَّ الفرس جامحة بينما الفارس خوَّاف لا يرخي لها العنان؛ وربما هذا التَّناول الجنسي الخجول، غير المتعمِّق في تفسير الدَّوافع الشَّهوانيَّة باتِّجاه تغيير مصائر الشَّخصيات، في معظم كتاباتنا العربيَّة، هو أحد أهم الفروق الجوهريَّة التي تجعل السَّرد الأدبي داخل حدودنا أقل صدقًا، وأضعف عنفوانًا.

في مجلس من مجالس الشَّباب في نجع "الخمايسة"، منذ أكثر من عشرين عامًا، كان الحوار يروح ويجيء بين الحضور حول ما جرى بين "الزَّناتي" و"أبو زيد الهلالي" مرَّة، وما جرى بين "ماطيَّة" الجميلة ورجال البلد مرَّة أخرى، وما يحصل بين الأزواج والزَّوجات في غياهب ليالي القرى، سمعتُ جملة غريبة لم أكن سمعتها من قبل، لم أفهمها جيِّدًا وقتها، لكنِّي أرى الآن عمقها البعيد فأتعجَّب لروعتها، إذ قال أحدهم بثقة وحزم: المرأة تنسى من خلقها ولا تنسى من خرقها!

قالها بإيحاءات تعني أنَّ المرأة تبقى تحب "خارقها" إلى الأبد!

رغم أنَّ "نوريستا" البوسنيَّة رأت "إيفان" الصِّربي يقتل كلَّ أسرتها، باعتباره أحد جنود فرقة إعدام مارست أعمالها الدَّمويَّة المشينة في هذه الحرب السَّافلة؛ ورغم أنَّه احتفظ بها ليضعها في قبو بيته، بعد تهريبها داخل سيَّارته العسكريَّة أثناء هروبه من الخدمة لسبب لم توضِّحه الرِّواية، يحبسها تحت الأرض لخمسة عشر سنة متتالية! ورغم أنَّ أول تعامل جنسي بينهما كان اغتصابًا فجًّا كاد يقتلها؛ رغم كل هذه المآسي أحبَّت الضَّحية جلَّادها! وبقيت تحبُّه في كلِّ تحوُّل من تحوُّلات حياتها.

عندما أنظر إلى قطَّتي النَّائمة مستكينة على وسادة سرير غرفة نومي، أو على مرتبة إحدى أرائك الرُّدهة، وقد ملأ الاطمئنان قلبها، أتذكَّر المرأة. 

فالقطَّة هي المعادل الحيواني للمرأة من وجهة نظري، جميلة مثلها، رقيقة مثلها، تخربش مثلها، ويمكنها النَّوم باستكانة في بيت أي سيِّد تفرضه الأيام عليها مثلها، تحبُّه طالما أحسن عشرتها، وربما تعشقه إن أساء إليها! فكثيرًا ما سمعت هذا المثل: "القطَّة تحب خنَّاقها"، وقطَّتي، مهما مارست معها من فنون الغلاسة، تأتي في النِّهاية وتستكين في حجري! ثمَّ سبق لي أن سمعت، في جلسات السَّمر على ضفَّة التِّرعة الغربيَّة في نجع "الخمايسة"، أحدهم ينصح أحدهم، وكان الأخير "على وش جواز": اضربها واركبها تاخد منها أحلى شغل في السَّرير.

التَّجربة الإنسانيَّة تقول إنَّ أحلى جنس، بين زوجين، هو الذي يكون بعد "رقع" الرَّجل امرأته "علقة سخنة"؛ إذ أثناء هذه الممارسة، تحديدًا، يحلو للمرأة الغنج بالعتاب، فينشط الرَّجل بالاعتذار جنسًا!

هناك نساء يطلبن من رجالهن إتيانهن اغتصابًا، بهذه الطَّريقة القاسية يُحلِّقن في أجواء المتعة.

ربما كل ما سبق يكشف عن بعض أسباب عدم سعي "نوريستا" للهرب من قبو "إيفان"، وبقاءها فيه لخمسة عشر عامًا متتالية، مع تمتِّعها بسعة حيلة تمكِّنها من الفرار؛ فقد سبق لها التَّقوقع خلف عجلة "الاستبن" أثناء تهريب "إيفان" لها، في تصرُّف لحظي ذكي أثناء قيام إحدى النِّقاط العسكريَّة بتفتيش حقيبة السيَّارة المختبئة داخلها؛ إنَّها إذن قادرة طوال الوقت على اختطاف حرِّيتها، لكنَّها، "نوريستا"، كالقطَّة تحب خنَّاقها، تحب الجنس بعد الخصام، تحبُّه عنيفًا، كما انَّها بطبيعتها الأنثويَّة قد تنسى من خلقها ولا تنسى من خرقها.

طبيعيٌّ جدًّا أن تعمر المرأة بيوت، وقصور، رجال لا يُصدِّق العقل الذُّكوري إمكانية تحمٌّلها مهام تعميرها! لأنَّها بيوت، وقصور، يمتلكها قتلة أهلها وناسها وأحبابها! فكم امرأة ذكرها التَّاريخ تمَّ أسرها بعد حرب، وقتل جميع أفراد أسرتها، ثم تزوَّجت الفارس القاتل، وأحبَّته، لتعيش معه حياة سعيدة؟ كثيرات، وفي "الإسلام" فعلت "صفيَّة" ذلك، عندما قاتل النَّبي "محمَّد بن عبدالله" أهلها اليهود، قتل أباها، ودخل بها بعد ساعات لتعيش معه بقيَّة عمرها زوجة محبَّة وأُمًّا من أمَّهات المسلمين.

كما أنَّه بسبب حركة نذالة "هيلين" الأنثويَّة، عندما هربت من زوجها الأمير "الإسبارطي" مع حبيبها الأمير "الطروادي" استعرت نيران الحرب الأوديسيَّة الشَّهيرة بين البلدين المتناطحين. المرأة لا تتمتَّع بغريزة الوطنيَّة، ربما تحاول اكتسابها!

لم تقدِّم "سونيا بوماد" جديدًا، في "التُّفاحة الأخيرة"، يكشف مخبوءًا يخص هذه الحرب القميئة، التي دارت رحاها على الحافَّة الشَّرقية لـ"أوروبا" في النِّصف الأوَّل من العقد التِّسعيني للقرن المنقضي، لم تلق الضَّوء على مفهوم جديد لمآسيها، لم نشتبك كقرَّاء مع أطروحات وعي جديد للإبادة العرقيَّة التي جرت هناك؛ حتَّى دور المتطرِّفين إسلاميًّا، في تجنيد من يُسمَّون بالمجاهدين، قدَّمته الرِّواية من نفس الزاوية التي يرعاها الرَّاغبون في تسطيح قضيَّة الإرهاب، بمجرَّد إلصاق الفعل العنيف بمسلمين لا يفهمون إسلامهم! دون مناقشة حيادية فعَّالة لأسباب ظهور هذا الطَّفح المَرَضي، وتأثيره الكبير على مجريات الأحداث العالميَّة.

تقول الأسطورة إنَّ الربَّات الإغريقيَّات الثَّلاثة، "هيرا" و"أثينا" و"أفروديت"، تنافسن في مسابقة جمال بينهن، فاتَّفقن على أن يسألن أوَّل عابر عن أيّهن الأجمل، وكان هذا العابر هو الفتى "باريس"، الذي فتنه جمال الرَّبة الثَّالثة، فاختارها كأجملهن، فمنحته "أفروديت" الجائزة المتَّفق عليها: تفَّاحة.

التُّفاحة هي المعادل النَّباتي للمرأة، كلَّما قُضمت تضوَّع أريج عطرها.

 

 

 

 

 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة