فى وصف الفيل، وأحواله.
الرجل،
ابن الرجولة، يسره أن يبرم، بين إبهامه وسبابته، طرفي شاربه، فهو القادر، صاحب
المال، الذي يشتري، كل ليلة، خمس زجاجات خمرة، طول كل واحدة شبران، يقربعها وهو
يأكل طنا من قوانص الدجاج، وطنا آخر من كبد الدجاج.
وهو
الفحل، الذى يهرك زوجته على السرير، في أول الليل، فتبقى تئن حتى الصباح.
والرجل،
ابن الرجولة، يسره أكثر أن يسمع همس أولاد الغلابة: شنب يقف عليه الصقر.
وابن
الرجولة، يقبض بشدة على عصا معقوفة، وقبل فتح باب الخروج، يزوم، ثم يفتح، ويخرج.
هو
منذ الزمن البعيد، يزوم، ثم يفتح، ويخرج.
أمام
باب البيت الكبير، المرسوم على واجهته البيضاء، صورة طائرة، تطير في الهواء،
يختبيء في بطنها ناس، وصورة باخرة، تمخر عباب البحر، على ظهرها ناس، وصورة شيخ
يفتح مصحفا فيه "وأذِّن فِى النَّاسِ بالحّجِ يَأتوكَ رِجَالا".. أمام
باب البيت الكبير، المرسوم على واجهته كل هذه الصور، ثلاث درجات هابطة، عند عودته
تكون صاعدة، يضع قدمه اليسرى على الأولى: "بسم الله".
ثم
قدمه اليمنى على الثانية: "الرحمن الرحيم".
ثم
قدمه اليسرى على الثالثة: "وعليه توكلنا".
ثم
تدوس قدمه اليمنى على هذه الألف ألف ذرة تراب.
حديث
الألف ألف ذرة تراب.
"لو
أكرمنا الله، وجعل يدى ابن البشر، صانع الطوب، تلقفنا سهوا، وتصنعنا طوبا، لذقنا
نعمة الثبات، ولنظر إلينا ابن آدم، صاحب المِلك، نظرة الحب، لكن الله لم يكرمنا،
وتركنا كما شاء، ذرات تراب ترميها الريح، في وقت غضبها، أنى شاءت، وتدوسها نعال من
يسوى، ونعال من لا يسوى. والضعيف، يا إخوانى، إن لم يقدر، احتال، والضعيف إن لقبوه
فهو صاحب الحيلة، فهيا نتوشوش ونحتال......"
حديث
الريح للفيل.
الرجل،
ابن الرجولة، هو أيضا الرجل ابن العلم، يعلم كيف يهز اللسان في فمه، فيتكلم كل
لغات الأرض، لغة الإنسان، لغة ابن العرب كانت أو لغة اليهودي، ويتكلم لغة البهيم،
لغة الطير كانت أو لغة الوحش، ويتكلم لغة الجماد الذي لا يحس، ثم إنه فهم حديث
الريح التي قالت: المكيدة لك تدبر، فع كل الكلام، واعرف بعده خلاصك، الألف ألف ذرة
تراب ستفر من تحت اليمنى، وتخلي بك.
تدبير
ربة المكر والدهاء.
قال
الرجل: أنا في محنة، والعاقل يتدبر طرق خلاصه، ولن يتأتى له هذا إلا بالتشاور،
وأنا شاورت نفسي، وشاورت خمري، ولم يبق إلا التشاور مع سيدة داري، وبكيدها أستعين
على كيد الألف ألف ذرة تراب، وكيد النساء غلب عزم الرجال، وسيدة داري، زوجتي، ربة
مكر ودهاء، وأنا في محنة.
زام،
وكح، ثم تنحنح، وزعق يناديها باسمها.
"سيدة
الدار، زوجتي، قلت لها، في يوم قديم: أريد أن يسمع بي كل من يسكن بلاد العرب، ابن
العربي، أو ابن اليهودي، أو ابن الإنجليزي المستعمر. قالت: سيدي، غال أنت، وطلبك
رخيص، لا ينتشر صيت الرجل بعمله لدنياه قدر ما ينتشر إذا هو عمل لما بعد الممات.
قلت: كيف؟! قالت بنت الخديعة: اعبر النهر، وسر في الغرب، حتى الجبل، واحفر هناك،
بين مقابر الملوك، مقبرة، يكون عمقها ألف متر، وارسم على حوائطها صورة العمدة،
وصورة ضابط النقطة، وصورة الملك البدين وهو يبتلع الخروف، وصورة طائرة تنفث الموت
على أرضنا الطيبة، وهي تمرح في سمائنا الطيبة، بذيل مرسوم عليه نجمة داود، وارسم،
على جدار المقبرة، صورة ابن وطننا يضع الخوذة على رأسه، بينما يفرقع فيه السلاح.
بنت الخديعة قالت: لديك من المال قناطير مقنطرة، فابدأ من الآن".
سيدة
الدار، ربة المكر والدهاء، لما سمعته زام، وكح، ثم تنحنح، وزعق يناديها باسمها،
قالت: ورحمة الغاليين هو في محنة.
قالت:
سيدي، غال أنت، وطلبك رخيص، وحل المحنة سهل، صانع الطوب يميت الألف ألف ذرة تراب
بالماء قاتل النار، فيصيره عجينا يصنع منه الطوب، وما يتبقى يكون طينا لا يكيد،
فتنزل يمناك على طين لا يكيد.
زام
سيد الدار، زوج سيدة الدار، ثم كح، ثم تنحنح، وزعق: يا صانع الطوب.
الألف ألف ذرة تراب تصرع الفيل.
عندما
زهزهت شمس الصبح البكر، راح الرجل يمارس طقوس ما قبل الخروج، فارتدى الجبة،
والقفطان، ووضع على رأسه الأصلع طريوشا أحمر، ثم وقف أمام المرآة: يا مرآتي، يا
مرآتي، هل هناك، على وجه البسيطة، من هو أرجل مني، أو أفحل مني، أو أعلم مني، أو
أغنى مني؟!
يسره،
ابن المغرور، أن يبرم طرفى شاربه، ويسره أكثر أن يسمع همس أولاد الملطخين بطين
الأرض: شنب يقف عليه الصقر.
قبض،
بشدة، على رأس الأفعى المعقوفة، وقبل فتح باب الخروج زام، ثم فتح، وخرج.
تأمل
الطائرة، والباخرة، والشيخ أمامه المصحف، ثم خطا واضعا قدمه اليسرى على أول درجة:
"بسم الله".
ثم
اليمنى: "الرحمن الرحيم".
ثم
اليسرى: "وعليه توكلنا".
ثم
داست قدمه اليمنى على طين لا يكيد، لكنه أصاب نعل المداس بوسخ، ضحك ابن الرجولة،
وقال: فداك المداس، وفداك نعل المداس. يغور المداس، ويغور نعل المداس. حياتك أغلى
ألف مرة من ألف مداس، وأغلى ألف مرة من ألف نعل مداس.
وحتى
يسير الخطوة، مكتملة، لابد من وضع اليسرى على الأرض، لكن ابن العبيطة، صانع الطوب،
لم يرش الماء على الألف ألف ذرة تراب التي ستدوس عليها اليسرى، فوقع ابن الرجولة،
قليل الحيلة، ولأنه يعلم لغة الجماد، الذي لا يحس، سمع الألف ألف ذرة تراب تضحك،
وسمعها تقول: أي أرض يدوس عليها نعل ابن الإنسان، هي ألف ألف ذرة تراب، يمكنها أن
تكيد، ثم تميد، وتصرع فيلا.

إرسال تعليق