U3F1ZWV6ZTM4MjQwMDIxNTE0NTAyX0ZyZWUyNDEyNTExMjIxODk0Ng==

كاااااااااك


 


القطار سهم خارق للأجواء، والنَّخيل والأشجار والحقول فرائس مذعورة، فارَّة كشرارات البرق، وبيوت القرى تتدافع، مفسحة الطريق للحديد الكاسر، وفي لحظات يرتج الكون، وتصعق الآذان أصوات تنقُّلات العجلات الثقيلة على القضبان الصبورة.

 

    النَّفير الطويل الحاد المنذر ينطلق، ورنين أجراس الخطر يشرق قويَّا، ثم يخفت مسرعًا مع خفوت المزلقانات المتهاوية إلى الوراء.

فوق رف العربة الخشبي كراتين وشنط وأجولة ولفائف، تهتز مع اهتزازات العربة، وبين إحدى الكراتين وشنطة كبيرة انحشر قفص جَرِيدِي به إوزة وحيدة، عيناها مفتوحتان على آخرهما، رأسها المفزوع يتخبَّط في سقف وجوانب القفص، مع كل هزَّة شديدة يهتزُّها القطار تُطلق من منقارها صيحة عالية خائفة، لكن هلعها كان يتجلَّى عندما يقابل القطارُ قطارًا آخر قادم من الإتِّجاه المعاكس، فصوت الرِّيح المتصادم من كلا القطارين المندفعين يكون مشابهًا تمامًا لصوت انفجار قنبلة صغيرة، يعقبه كَرْكَبَة خشب النَّوافذ وزجاجها، هنا تنتفض الإوزة، وتضرب بجناحيها جَرِيد القفص، مطلقة من منقارها صيحات طويلة متَّصلة، صيحات مستغيثة، ورأسها المفزوع يخرج من فتحات القفص ويتطوَّح فى الهواء مثل كوبرا مُسْتَثارة، كان روعها يشير إلى أنها أول مرَّة تُحبس في قفص، وتُوضع على رف في عربة قطار منطلق كالسَّهم.

 

  السيِّدة صاحبة الإوزة تجلس صامتة، السيِّدة امرأة عجوز، تجاعيد وجهها كاملة النضج، حاملة لهموم ما، لكنها بسبب خروج رأس إوزتها من فتحات القفص كانت تقف كثيرًا، تهش الرأس فينزلق إلى داخل القفص، وجه السيِّدة العجوز أبيض ممزوج بالحمرة، يسطع بسيماء العز، لكن ملابسها السوداء المغبَّرة، التي تبدو بعض رُقع في مختلف أنحائها، تَنُم عن فقرٍ قاس، نظراتها الحائرة التي تلقيها مرَّة على الباعة الجائلين في القطار، ومرَّة على النَّوافذ التي تبرق عليها شمس العصارى، ومرَّة على وجوه الرُّكاب، ومرَّة على إوزتها المُقلقة، هذه النظرات غير المستقرَّة كانت تشي بأن هذه السيِّدة مثل إوزتها، أول مرَّة تركب قطارًا.

 

- صوت أجش: عيش، سندوتشات، طعميه، عيش.

- صوت حاد رفيع: بالحلال، الحاجه الساقعه بنص جنيه، بنص جنيه.

- صوت يعانى وهو يخرج من حنجرته: سجاير سجاير، مناديل، بسكوت.

- صوت متسول: الجود من صاحب الجود، حسنه وعلى الله الثواب.

أصوات تكافح في سبيل بقائها مع وجود ضجيج الحديد الصاعق.

 

     القطار نيزك يفلق الريح، الناس أجساد مهتزَّة مستسلمة، في الطرقة الضيِّقة تمضى مهتزَّة مستسلمة، حتى الكمساري كان يبدو وهو قادم من أول العربة مهتزَّا مستسلمًا.

 - تذكرتَك يابيه لو سمحت.

 - لو تكرَّمتى ياماما تذكرتِك.

 - لو سمحتي يا حاجَّه.

 - أيوه يا أستاذ من فضلك.

هكذا كانت طريقة الكمساري في طلب التذاكر من المسافرين، وجهه الأسمر النحيل له تقاطيع وجه شاب صغير، يداه اللتان يفسح بهما لنفسه طريقًا بين الركاب الواقفين في الطُّرقة لهما لمسات حانية، كان بالفعل مهذَّبًا جدَّا وطيبًا، وعندما يكون الكمساري مهذَّبًا وطيبًا، فهذا يعنى أنه بالتأكيد حديث العمل جدَّا في هذه المهنة.

 

الشمس في برج معزول بين العصارى والمغارب لاهثة تجرى مع نوافذ عربات القطار، أشعَّتها المارقة يعوق انسيابها فرار الأشجار والنَّخيل، فتندفع إلى داخل العربة في ذبذبات متناهية السرعة، ضوضاء اصطدام العجل الحديدي العاصف بفواصل القضبان ضوضاء طبول إفريقية، خبط، صرير، اهتزازات محمومة، تنزعج الإوزَّة فتصيح صياحها الخائف، صياح كان قادرًا على أن ينتزع الكمساري من استغراقه في النَّظر إلى التذاكر أو استخراجها، ليلتفت نحو المكان الذي يصدر منه هذا الصوت، كانت ملامحه المستفهمة تبيِّن عدم معرفته بعد بطبيعة مصدر هذا الصوت، لكنه نظر للراكب الذي كان يستخرج له تذكرة وقال: الظاهر دي وِزَّه!

الراكب ضحك وقال: دي خَوَتِتْنَا من الصبح، باين خايفه من القطر.

الكمساري ابتسم، ومد يده لراكب آخر قائلا: تذكرتك لو سمحت.

 

     قطار الدَّرجة الثَّالثة يقف ليس فقط عند وصوله إلى المحطات، وإنما يقف أمام بعض البلوكَّات لتغيير ورديَّات العمل، يقف أيضًا في حالة وجود راكب له علاقة ما بالسائق يحتاج للنزول عند أقرب نقطة من منزله، يقف كثيرا على "ستوك" التخزين ليفسح الطريق للقطارات السريعة القادمة خلفه، هذا الوقوف المتكرر تبدو آثاره واضحة على وجوه الرُّكَّاب، احمرار، انتفاخ، وسباب مصبوب على السَّائق وهيئة السِّكك الحديديَّة ووزارة المواصلات وعلى الحكومة كلها.

 

 القطار توقَّف على "ستوك" التخزين، سكنت ضوضاء الحديد، وانبعث هدوء مريح للأعصاب، وقفت الأشجار والنَّخيل تلتقط أنفاسها بعد طول فرار، وشيش الهواء المداعب، ثغاء ماعز وأغنام بعيدة، أصوات رهيفة تختلط بأصوات الركَّاب التي صارت أكثر إشراقًا لمَّا سكنت ضوضاء الحديد، الكمساري في تفتيشه عن التذاكر وصل إلى آخر العربة، بالتحديد إلى مُربَّع الكراسي الذي تجلس في ركنه السيدة العجوز صاحبة الإوزة، كانت الإوزة قد أراحها سكون القطار فرقدت هادئة على بطنها، والقفص الصغير لا يكاد يبين بين الكرتونة الكبيرة والشَّنطة الأكبر حجمًا، الكمساري بدا ناسيا تمامًا أنه من هذا المكان كانت تصدر صيحات إوزَّة أفلحت في لفت انتباهه أكثر من مرَّة بالرُّغم من كل ضجيج القطار.

- تذكرتك يا ماما.

أخرجت السيِّدة من عبِّها منديلا مصرورا اصْفَرَّ بياضه، فكَّت عقدته فبدت أوراق ماليَّة من فئة الخمسين قرشا والربع جنيه، من بينها تناولت تذكرة وأعطتها للكمسارى المبتسم.

- "الأقصر!".. لسه بدري يا ماما.

ردت السيِّدة بنظرة قلقلة وهمست: بدري من عمرك يا وْليدي.

 

    القطار السريع قادم من الخلف يهدر، الكمساري في القطار الواقف ينظر إلى تذكرة الرجل المجاور للسيِّدة، وفي لحظة بارقة انشق الكون عن ضوضاء عبور القطار السريع المارق، نفيره صاخب، رياحه العاتية ضربت النوافذ فرجَّتها، العربة كلها اهتزَّت، كانت لحظة خاطفة لكنها مشحونة بكل ما هو مروِّع لِلإوزَّة، فكان طبيعيَّا أن تتخبَّط داخل القفص، وتصيح صيحات شبيهة بصوت نفير سفينة تغرق، السيِّدة نفسها تملَّكها الرُّعب إثر ضجيج عبور القطار السريع، وصياح إوزتها زاد من توتُّرها، ثم هذا الكمساري الذي يسأل: وِزِّة مين دي؟

 قالت السيدة بصوت باهت: وَزِّتى يا وْليدي.

 قال الكمساري وهو يضع سن قلمه على دفتر التذاكر: حداشر جنيه وعشره صاغ.

 بدا أن السيِّدة لم تفهم ما يطلبه الكمساري، فهي تنظر إليه دون أن تمد يدها إلى عبِّها لتخرج منديلها المصرور.

 قال الكمساري برقَّة: بقولك يا ماما حداشر جنيه وعشره صاغ.

 قالت السيِّدة بتردد: بس انا مش عايزه نبيعها يا ولدى!

 ضحك الكمساري: يا ماما أنا مش حاشتريها، دي غرامة طرد الوِزَّة.

 هتفت السيدة بصوت ضعيف: وتطردها ليه يا استاذ، هيَّا عملت حاجه غلط؟! واستدركت: هيا بس خايفه، عشان كِدِهْ عامله شويِّة زيطه، أول مرَّه تركب قطر.

 قهقه الكمساري: يا حاجَّه، أنا مش حاطردها يعنى أخرجها بره القطر، لا، بس لمَّا أى طيور تِتْحَطْ في قفص بيبقى القفص دا اسمه طرد، وعشان الطيور ممنوع تركب مع الناس بيبقى طردها غالى شويه.

 السيدة في ربكتها لم تفهم شيئا: يعنى إيه يا وليدي؟!

 الكمساري بصبر: يعنى احنا عايزين منك حداشر جنيه وعشره صاغ.

 تستفسر السيدة: يعنى حاتقطعلها تذكره!؟

 هز رأسه موافقا: أيوه، حاجه زى كده، تذكره.

 بدهشة ممزوجة بالضيق تقول السيِّدة: طيب معقول يا وليدي تذكرتي انا تلاته جنيه، وتذكرة الوَزَّه حداشر جنيه وعشره صاغ؟!

 قال الكمساري محاولا التوضيح أكثر: ما انا قلت ليكى يا ماما، الوِزَّه بيغرِّموها عشان مش قاعده مكانها.

فهتفت السيدة: وحياة ربنا قاعده في بكانها على الرف من الصبح.

قال الكمساري وقد بدأ يظهر أثر الضيق في صدره: يا ماما الوِزَّه مكانها مش على الرف، الوِزَّه مكانها في عربية الشحن.

احتارت السيِّدة: ويرضى مين دا بس يا وليدي، أنا اركب قطر و وَزِّتى تركب عربيه، ليه بس الحال المِشَنْدَل ده؟

عبس وجه الكمساري، لكنه بهدوء مد يده نحو السيِّدة: طيب يا ستِّى هاتى الحداشر جنيه وعشرة صاغ.

تقلَّصت التجاعيد في وجه السيِّدة، وبدت كأنَّها ستبكى: منين يا ولدى، دا كل اللي حيلتي في منديلي تلاته جنيه، عشان تذكرة الرجعه.

قال الكمساري بلهجة حازمة: يبقى في المحطَّه الجَّايه تاخدى وِزِّتك وتنزلي بالسلامه.

ذعر كثيف خيَّم على وجه السيِّدة: أنزل في بلاد غريبه!؟ أتوه.

الراكب الجالس بجوار السيدة قال للكمساري: معلهشى يا ريِّس، خلليها عليك المرَّه دي.

صرخ الكمساري: معلهشى ازاى يا عم انت؟! الشغل فيه معلهشى؟! ولما مفتش يطلع يفتِّش ويلاقى الوِزَّه مش مدفوعه غرامتها حيقوللى معلهشى؟! لاه، حايدِّينى جِزا، حتنفعنى انت وللا الست الحاجَّه؟

قال الراكب وهو مازال يأمل في طيبة قلب الكمساري: طول ما بتعمل خير يبقى ربنا حيعدِّيها سلامات.

اكفهر وجه الكمساري: ونعم بالله، بس والنَّبي يا خال تنقِّطنا بسكاتك، خللينا نشوفو شغلنا، دي أول طلعه ليَّا على قطر ركاب وعايزين نعدِّيها على خير.

يرفع الكمساري وجهه إلى الإوزة التي كانت ترقبه بحذر: والله قطر البضاعه كان أرحم.

ثم تحوَّل وجهه إلى السيدة متسائلا: أيوه يا ماما،هاتدفعى واللا هاتنزلى؟

يحاول الرَّاكب مسايسة الكمساري: طاب احنا نطمع في كرمك ونقلل المبلغ شويه.

يصرخ الكمساري: إحنا حنفاصل، ببيع طماطم انا ياك!؟ دي تسعيره عملاها الحكومه، والحكومه مبتفاصلش، يا تدفع يا ما تركبش، أيوه يا ست خلصينا عاد الله يصلح حالك.

 

    صوت نفير القطار ينسل من بعيد منبِّها إلى تحرُّكه، صرير حاد، وهزَّة مفاجئة، يتحرك القطار، يبدأ رعب الإوزة في الإنتباه، تصيح، الكمساري يرمقها بحنق، الراكب يتوسَّل متحمِّسا: طيب يا ريِّس، عشان مَتِتْضَرِّش انت، ولا الوليَّه الغلبانه تتضر، ندارو الوَزَّه تحت الكرسي.

يتأجَّج وجه الكمساري، ويصرخ في وجه الراكب: ايه يا جدع انت!؟ احنا ها نهرج واللا إيه؟!

و ينظر للإوزة: وهيا دي وِزَّه يداروها، دا صوتها يقلب بلد.

يتمسكن الراكب: ونعملو ايه يا سعادة البيه، الحاجَّه ممعهاشى فلوس، وما ينفعشى تنزل في بلاد متعرفهاشى، دي مش أصول برضه!

الكمساري لا يعير الرَّاكب انتباهًا، وإنما ينظر إلى السيِّدة بحزم: يعنى ممعاكيشى فلوس؟

بنظرة مستعطفة تقول السيِّدة: لاه.

- وما عايزاشى تنزلي المحطة الجايه؟

- لاه.

قال الكمساري: ادبحى الوِزَّه.

فتحت السيِّدة فمها للحظات دون كلام، لقد فوجئت تمامًا بما قاله الكمساري، لكن الإوزة صاحت صيحة ذعر عجيبة، صيحة ممطوطة، بدأت عالية وانتهت إلى أنين.

الكمساري رأى الدموع تترقرق في عيني السيِّدة، فخفتت حِدَّة صوته: مدبوحه أنا مش مسئول عنها، يشوفها المفتش ما يشوفهاش مَحَدِّشْ لُه حاجه عندي.

بصوت كأنه طالع من بئر قالت السيِّدة: بس يا ولدى بتِّي "عدلات" عايزاها حيَّه.

برجاء يقول الكمساري: يا ماما أنا ماليش دعوه بعدلات، أنا ليَّا دعوه بمصلحتي، هااه، قدامك تلات حلول اهه، يا تدفعي، يا تنزلي المحطه الجايه، يا تدبحى الوزه.

 

    لم يكن جسم الكمساري النحيف ولا رأسه الصغير يوحيان بأن له صوتًا جهوريَّا مثل هذا الذي نادى به في العربة طالبًا سكين، جهوريَّا وعاليًا للدرجة التي لم يحتج معها لأن يكرِّر نداءه، فالسِّكين ظهرت في أول العربة، ظهرت متنقِّلة بين أيادي المسافرين، ونصلها مثل شراع مركب نيلي يلمع بانعكاسات شمس الغروب، متنقِّلة برشاقة أغرت عيون الركاب للتساؤل "إلى أين تذهب هذه السكين؟".

أخيرا استقرت في يد الكمساري، يده في هذه اللحظة لم تكن يدًا آدمية، لقد بدت يدًا شيطانية، عجفاء ذات مخالب حادة، الكمساري نفسه بدا وكأنه ذئب، عيناه حمراوان، اللعاب يسيل من فجوة واسعة بين نابيه البارزين أمام شفتيه، اليد المخلبية مدَّت السكين ليد السيِّدة المرتجفة، القطار زلزال، والسيِّدة تمزِّق الدُّوبار الذي ربطت به القفص، الرُّكاب تكالبوا من كل العربة، السيِّدة رفعت الغطاء وقبضت على الإوزة من أسفل جناحيها، واتجهت بها إلى المكان الواسع بين بابيّ العربة، مكان واسع قليلًا يصلح لذبح إوزَّة، الناس تعلَّقوا بالأرفف، وجلسوا على مساند الكراسي، السيِّدة داست بقدمها اليمنى على ساقي الإوزَّة، وبقدمها اليسرى داست على جناحيها، وبيدها الشمال قبضت على جلد الرقبة أسفل الرأس، كان الكمساري ينظر إلى ما يحدث وقد امتقع وجهه، بدا وكأنه يتمنى لو أن السيِّدة تحاول معه مرة أخرى كي يتنازل عن ذبح الإوزَّة، تحاول ولن يأخذ منها قيمة الطرد، حتَّى ولو جاء المفتش بعد ذلك ورفته، يمكن أن يدفع قيمة الطرد من جيبه، فقط هي تحاول وتطلب منه ذلك، لكن يد السيدة وضعت نصل السكين على الرقبة، وعينا الكمساري تصرخان بالرَّغبة في أن يقول للسيِّدة "توقَّفي"، لكن حنجرته كأنها عطبت، وكأن شفتيه قد أغلقتا بقفل، وكأن السيِّدة قد صارت آلة رهيبة لا تتوقَّف لمجرد الأمنيات، السكين قطعت الرقبة، والدم خر مثل سيل، وصوت مثل خوار ثور يتدفق من منقار الإوزَّة، وصوت مخنوق طلع من فم الكمساري: "نعمل إيه؟! أوامر الحكومه".

 

  القطار زعابيب رعناء، يكاد يتفكك من فرط سرعته، عجلاته تصر، ينبعث منها دخان له رائحة احتراق لحم، السيِّدة العجوز تجلس بجوار النَّافذة، تنظر إلى الشمس المنسالة نحو آخر الغروب.

"ترى هل احمرار الشمس هو الذي لوَّن العالم، أم هو دم إوزتى الذي سال من أسفل باب عربة القطار، وطيَّره الهواء العاصف إلى الخارج؟!".

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة