ما نفعله
الآن ليس غريبًا، فنحن العقلاء الوحيدون في هذا العالم، لذلك نحن الوحيدون الذي
رضي الحقُّ عنَّا وحالفنا، فالأسطورة التي نبتت في البلاد القديمة أيها السَّادة
تنبت الآن في الأرض الجديدة، إنهم يقولون إن الوحش سيصحو، ثم يقوم نافضًا عن ظهره
كل البنايات الإسمنتيَّة، وكل القطارات، وكل السيَّارات، وسيُسقط البشر في الهوَّة
التي ليست لها قرار، إنهم يقولون! والصحف تردِّد ما يقولون! وأفواه أجهزة الراديو
مفتوحة تصرخ بما يقولون!
ورُغم أن هذا الخبر كما يبدو لنا معشر السَّادة
العقلاء شائعة إلا أن شخصيَّة عالميَّة لم تتحمَّل وقْعه، فوقف قلبها وماتت،
فتبدَّى على الخلق المانشيت الأحمر العريض: "مات البطل". وصرخ الرَّاديو:
"مات البطل". بينما قفزت عربة التليفزيون فأكلت الطريق المسفلت، ثم أكلت
الطريق المترب، ثم بعدها توقَّفت في القرية التي وُلد فيها البطل، وعندما فتح
بابُها الأيمن، أطلَّت منه امرأة ملوَّنة تبتسم، بيدها "مايك" صغير لامع
قرَّبته من فم القروية "تغانه"، فقالت: "عبد الغفار قال له الشمس
في يمينك والقمر في يسارك، والمغارات في الجَّبل العالي غويطه، كل شئ مسهَّل بأمر
الله". "مدبولى" على الشَّاشة الفسفورية أراه يخطف المايك، وأسمعه
يقول: "رفض البطل، كان يحب الوطن، وأنا يا خلق مدبولى ابن عمه لَزَم".
الرجل الذي يسوق الكاميرا دار بها حتى رسم لنا نحن السَّادة العقلاء على الشَّاشة
صورة الولد الصغير وهو يشد "الجيبة" التي تعلَّقت بخصر المرأة
الملوَّنة، واضح أنه يريد قول شيئ، مالت بصدرها العاري الحلو ناحيته، فسمعناه يقول:
"يا امرأة يا ملوَّنة أنا أعرف السر". فضحكت الحُرْمة ضحكة الغوازي.
وكان "مدبولى" يقول في المايك اللامع "أنا ابن عمه لَزَم"
عندما قفز الولد الصغير وخطف المايك وجرى به إلى حيث الحقول الخضراء.
***
أولاد القحبة في
أم البلاد يريدون صرف أنظار كل البلاد عن غلاء لقمة العيش، ويريدون أن يقفز
وَلِىُّ الله الصالح على المرأة المومس لينجب منها ابن الحلال! ويريدون منا نحن
السَّادة العقلاء أن نصرف أنظارنا عن عربدة ملك الغابة. أولاد القحبة في أم البلاد
يقولون الكذب، وأولاد العبيطة في كل البلاد يصدِّقونهم، لذلك نحن العقلاء فقط،
ومعنا الدليل الداحض، إنا يا سادة لا نتفرج على الشَّاشة الفسفوريَّة عندما يغزوها
النَّمل، ولكن نظرا للظروف الرَّاهنة لا مفر من الخَبَل، والضَّغط على الزِّر
ليقول "تِكْ" فتضئ الشَّاشة، ها هو الطِّفل يجرى ومعه المايك، وتجرى
خلفه المرأة الملوَّنة، ويجرى وراءها "مدبولى" و" تغانه"،
ووراءهم كل البلد، ووراء الجميع تجرى الكاميرا محمولة على سيَّارة
"جيب"، أسمع الطفل يصرخ "أعرف السر"، بينما الهتاف يصعد من
أفواه أهل البلد "مات البطل"، وتضيع صيحات "مدبولى" في هذا
الهدير "أنا ابن عمه لَزَم"، أدوس على زر آخر مُبَطَّط فيقول "تك"،
وأرى على الشَّاشة الرَّمادية، الملوَّنة الآن، النَّاس في أم البلاد يهزُّون
اللافتات التي تصرخ بلون أحمر: "لا للطائرات التي في شكل البط، ولها مناقير
كمناقير البط". "لا للبشر المتعلِّقين بحواف الأطباق الطَّائرة".
هم يهزُّون اللافتات، وبقبضاتهم يحطِّمون فاترينات الحوانيت، ويحرقون السيَّارات،
أهي مظاهرة؟! أولاد الكلب أفاقوا وسيُحدفون إلى المعتقل، يظنُّون أن البطل لو مات
لن يأتي غيره، أولاد الكلب أفاقوا ويهتفون من غير خوف: "مات العَرْص".
فى أم البلاد يصرخ الناس: "مات العَرْص". وفي كل البلاد يصرخ الناس:
"مات البطل". والطِّفل الخبيث هو وحده الذي يعرف السِّر، وهكذا تحاول
المرأة الملوَّنة، الكل أيها السَّادة العقلاء مجنون، يشتغلون بأمور تافهة، يتعبون
قلوبهم، لكنَّهم لو يفعلون مثل ما نفعل نحن الآن فيجلسون داخل بيوتهم يقزقزون
لبَّا، ويشربون "بوظة" يكون أفضل لهم.

إرسال تعليق