U3F1ZWV6ZTM4MjQwMDIxNTE0NTAyX0ZyZWUyNDEyNTExMjIxODk0Ng==

قراءة في رواية "جثة كعب داير" لأحمد السعيد مراد


 

"جثة كعب داير" رواية خفيفة، غير مزعجة، وإن كان موضوعها ثقيلا، ومزعجا.

كتبها الروائي المصري "أحمد السعيد مراد"، أصدرتها دار "إشراقة" بإخراج فني جيد، في 190 صفحة من القطع المتوسط. ويمكن إنهاء قراءتها في ثلاث ساعات متواصلة، لما تتمتع به من جرعة تشويقية مكثفة، ناجمة عن حبكة مضبوطة نجح الكاتب في وضع خططها بمهارة عالية، وإن لم ينجح في ابتكار عنوان مشوق.
فالعنوان كاشف، والمكشوف (من أولها) ليس مثيرا، هذا بخلاف خطورته على الرواية، إذ مهما كان القارئ ساذجا يمكنه، من خلال هذا العنوان، توقُّع أن مجريات الرواية حول جثة مجهولة الهوية، مع تخيله لوقائع بخصوص الموضوع ـ المكشوف بعنوانه ـ تفوق غرابتها الوقائع التى وضع الكاتب خططها، ما يُعلي من سقف توقعاته إلى مستوى أعلى مما ورد فعلا داخل الرواية. مع ذلك، نجحت "جثة كعب داير"، في تقديم حبكة أكثر إدهاشا مما قد يتوقعه القارئ من خلال عنوانها الكاشف.
بضمير الراوي العليم يتتبع "أحمد السعيد مراد" الأحداث المتتالية الغريبة التي تعرض لها بطله الرئيس، واسمه "أحمد"، طبيب في مشفى استثماري يتخذ من الطب حرفة لكسب المال بأكثر من كونه عمل إنساني يحد من آلام البشر، حتى أن مديري هذه النوعية من المشافي أقرب إلى رجال الأعمال منهم إلى أطباء. وعليه: إذا كان الهدف من مزاولة الطب هو المال، فلا مانع من ممارسة كل الحيل الطبية لاستنزاف جيب المريض.
يستغل الكاتب خبراته، بصفته طبيب، في تفنيد مساوئ مثل هذه المستشفيات الربحية، ابتداء من تعاملها مع الطبيب وكأنه مستثمر، تزيد أرباحه بزيادة قدرته على استنزاف مريضه، وذلك بطلب العديد من الفحوصات مهما كانت غير مطلوبة، مرورا بتهديد الأطباء العاملين فيها إذا استيقظت ضمائرهم، وانتهاء بسرقة أعضاء الموتى في غرفة حفظ الجثث؛ والرواية ـ في هذا السبيل ـ تستعرض نوعيات ثلاثة من الأطباء العاملين في مثل هذه المشافي الربحية، أولها صاحب ومدير المشفى، المنقطع تماما عن شعوره كطبيب، المتصل تماما بطموحه كرجل أعمال، وهو صنف من الأطباء مقفول بجشعه، يستحيل تغييره. وثانيها هو الوجه الثاني من العملة: الطبيب الذي يراعي ضميره إلى النهاية، بحيث يبدو مستحيلا تغييره للأسوأ، وقد مثل الدكتور "حمدي"، رئيس قسم المسالك البولية، هذا النموذج في الرواية. أما النوعية الثالثة، فمثلها الدكتور "أحمد"، بطل الرواية، النوعية التي لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ضميره يتأرجح بين الحلال والحرام أرجحة بندول ساعة جدارية عتيقة، يرتكب الحرام بضمير مستيقظ، ويقدم على الحلال بطموح مادي مستيقظ، فلا هو مرتاح هنا ولا مرتاح هنا، غير أن الضمير، إذا صح وصحى، أقوى من الطموح مهما استبد بصاحبه.
لهذا انتصر الدكتور "أحمد" إلى ضميره.
ويمكنني تقديم مختصر مفيد لقصة الرواية، غير أن هذا مضر جدا بها، فهي، كما أشرت في السطر الأول، رواية خفيفة، مكمن قوتها في عنصر سردي وحيد: الحبكة المنشأة بأسلوب وبناء بسيطين، لائقين بها. مع ذلك يمكنني الإشارة إلى أن الكاتب استعان بحدث شغل مواقع التواصل الإلكترونية، من "فيسبوك" و"تويتر" وغيرهما، لوقت طويل، وذلك لفرط غموضه، أقصد حادث سقوط ميكروباص في نهر النيل، وعدم العثور عليه رغم البحث الطويل في الأعماق، ما شكل إلغازا مبهما، غير أن "أحمد السعيد مراد" أمكنه توظيف هذا الحدث في روايته توظيفا محكما، فتح به نافذة تفسير منطقية، ومقبولة، لهذا الحدث. هذا غير إزاحته الستار عن مصيبة سوداء أطلقتها مخابرات الكيان الصهيوني المحتل على "مصر" مثل كلب مسعور، تتمثل في توظيفها لعملاء من البائسين المصريين، الذين يسهل سقوطهم لمجرد صعوبة الحياة، ليؤدوا عملا واحدا فقط: الجلوس إلى الكمبيوتر، وفتح مواقع التواصل الاجتماعي، وإنشاء صفحات مهمتها الرئيسة استغلال الحوادث المسيئة التي تقع في المجتمع المصري، وترويجها بقوة، بالإضافة إلى العمل على توسيع نطاق كل الفتاوى الدينية الشاذة، وكل ما من شأنه توسيع الشقة بين المسلمين والمسيحيين، وعمل صخب حولها، بحيث يعمل جميع ذلك على إحباط الذهنية الجمعية المصرية، وسلب المصريين آمالهم في قدرتهم على التغيير والتقدم.
تبدأ الرواية بالدكتور "أحمد" وقد خرق الناموس الاستثماري للمشفى الذي يعمل به، وذلك بأن أدخل المريض ـ مصاب بأزمة قلبية ـ إلى غرفة العمليات مباشرة، دون المرور على قسم الحسابات ودفع المبالغ المستحقة، فكان أن مات المريض، ورفض مصطحباه دفع المستحقات الباهظة، خصوصا وأن مريضهما (الذي سيتضح أنه ليس كذلك) قد مات. فيتخليا عن جثته، وليواجه الدكتور "أحمد" مأزقا عويصا، حيث صار مطالبا بدفع المستحقات...
وينفتح باب المفاجآت على مصراعيه.
ولا تنغلق الرواية بنهاية صفحاتها، وسيود القارئ لو أن لها جزءا آخر، يستمتع فيه بلعبة التشويق التي أجادها "أحمد السعيد مراد" ببراعة.
تعليقات
تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. شرف كبير لي أستاذنا الكريم كلماتك عن روايتي العزيزة
    مقالة أعتز وأتباهى بها
    زادكم الله ابداعا وألقا

    ردحذف

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة