U3F1ZWV6ZTM4MjQwMDIxNTE0NTAyX0ZyZWUyNDEyNTExMjIxODk0Ng==

البيت الأبيض


 

البيت الأبيض

 

دم تركي سبح فسرح في عروق العمدة، فصير له وجها أحمر، وشنبا معقوفا التف على صدغيه حتى لامس أذنيه، وجعل كلامه ينساب فيما بين ضروسه وطرطوف أنفه، فصار إذا أراد الشيء أمر شيخ الخفر.. فيكون.

***

للعمدة بيت أبيض، واسع، على فدان، وعال، في محاذاة الجبل، يبرق في شروق الشمس، وفي الغروب، ويضوي إذا ما سقطت عليه شعاعات القمر.

وللعمدة أسد، وذئب، أحدهما في حجم الفيل، والآخر في حجم الثور، إذا ما ابتسم لهما ابتسما، وإذا قطب جبينهما شرعا أنيابهما.

وللعمدة بطن وسع كل أراضي القرية، وكل بيوت الفلاحين.

وفي يوم قديم، وصفه الفلاحون بأنه "أغبر"، دخل العمدة المسجد، واعتلى المنبر، وزعق: صورتي أضعها هنا.

ولما رأى الفلاحون أن سبابته تشير إلى ما فوق {فلنولينك قبلة ترضاها} زاموا، لكنهم لما سمعوا زئير الأسد، وعواء الذئب، وصوت طلقات بندقية الخفير، هللوا: لبيك يا عمدة لبيك.

***

اليوم، في الصباح، كان العمدة يتأمل الطبيعة، واقفا أمام البيت، فأعجبته زرقة السماء، وزهزهة الشمس في الشروق، وأعجبه أبو قردان وهو يغرس منقاره في الأرض غرس التمكن، ولما داعبته النسمة الطرية أخذ شهيقا حبس به، في صدره، نصف هواء العالم، ولما سقطت أنظاره على حوائط بيته الأبيض رأى حبات غبار تمرح على طلائه الناصع، فزفر، وزعق: يا شيخ الخفر.

وانبثق شيخ الخفر من قمقمه: لبيك يا عمدة.

ـ طلاء بيتي الأبيض تمرح عليه حبات الغبار، إئتني بالناس، أجمعين، أمنحهم مجد غسيل البيت.

لكن شيخ الخفر، هذه المرة، همس: يا عمدة.. لما كان ظلام الأمس هبت الريح القوية فخلعت الأشجار، والنخيل، وبعثرت الزروع، وطيرت البيوت قبل أن تسقطها على رؤوس الناس، ورؤوس بهائمهم، فماتت حريم، ومات رجال، وعيال، لكن بيتكم العالي لم يمسسه ضر، إلا حبات غبار حمقاء التصقت به.. يا عمدة.. الناس محزونون.

صرخ: وأنا مالي يا شيخ الفقر! البيت لا يبرق، وأنا أريده يبرق.

***

الشمس تنحدر تجاه الجبل، وقبل سقوطها خلف سنه توقفت فوق رأس العمدة فبدا كائنا أسطوريا مهيبا، بيده تصاريف كل شيء، يشير بسبابته إلى الأسد، الواقف في الناحية الشرقية من البيت، فيزأر، ثم إلى الذئب، الواقف في الناحية القبلية، فيعوي، وإلى البندقية في يد شيخ الخفر، الواقف بحري، فتزغرد بصوت الرصاص، والناس، كل الناس، في أياديهم الخرق المبتلة، يتسلقون جدران البيت ويدعكونها، ويهللون: لبيك يا عمدة لبيك.

والعمدة، على رأسه الشمس، يقهقه، وهو يرى البيت يبرق، ويبرق، ويبرق. 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة