هَنُ الكلبة، وهَوجل الكلب

 

الأرض الرؤوم

 

البنت الصغيرة قالت: أحتال وأمسك عصفورا.

قامت، وأغلقت زجاج النافذة.

"زجاج النافذة لا يمنع النور، ولا يحجب الرؤية، فينخدع العصفور، ويظن أن مسالك الهروب مهيأة".

هكذا فكرت البنت، وحتى تكمل الحيلة قامت إلى سلة الحبوب، أخذت منها بضح حبات من القمح، ونثرتها على الأرض المبتلة.

"حبوب القمح إغراء أبدي للعصفور، ولا بد للعصفور من أكل حبوب القمح".

هكذا فكرت البنت الصغيرة، وحتى تبدأ اللعبة قالت: أفتح الباب وأختبيء خلفه، وعندما يدخل العصفور أغلق، بسرعة، الباب".

***

العصفور، الذي مصه الجوع، وقف على الأرض، أمام الباب المفتوح، وتلفت يمنة، ثم تلفت يسرة، ثم تلفت إلى أمام، فأبصر الرزق.

قال العصفور: هذا رزقي الذي أسير إليه منذ الصباح، حبات قمح صفر، ملقاة على أرض رؤوم، في حجرة آمنة، لها منفذ أهرب منه إذا كبس الخطر.

هكذا فكر العصفور، فنط على الأرض، نطات قليلة، فصار في الكمين.

البنت الصغيرة رأت العصفور ينقر حبة القمح فقالت: الآن أمسك عصفوري.

وعندما أغلقت الباب قال العصفور: الآن كبس الخطر، وحل لي الهروب من المنفذ.

لم يكن يعلم ان أفاعيل الإنسان صيرت المنفذ زجاجا جامدا لا يمنع النور، ولا يحجب الرؤية، فصار يطير ويخبط فيه ثم يسقط على الأرض حتى شج رأسه، فبقي يحلق في سماء الغرفة حتى هده التعب فسقط على الأرض الرؤوم.

قالت البنت: عصفوري كثيرا طار، وكثيرا تخبط في زجاج النافذة، ورأسه الصغير شج، ودمه يسيل، وهو منذ الصباح جائع يسير ناحية الرزق، وهو منذ الصباح عطشان يسير ناحية الماء، لا بد من إحضار الماء، والقمح، لعصفوري.

***

في الركن الغربي تكوم العصفور، وكان فيه النفس، فصار يقول: يا رب العصفور، الرزق غير ميسور، وأنا اموت على أرضك الرؤوم، وأفاعيل البنت، التي لا تمنع النور، ولا تحجب الرؤية، كائنة هناك، تسد المنفذ.

وعندما رأي يد البنت، ضخمة، تقترب منه، تريد القبض عليه، شهق، ثم مات، ولما رأته البنت وقع على جنبه عرفت أنه مات، فسقطت منها آنية الماء، وتناثرت من حجرها حبات القمح، وقالت: عصفوري مات وهو أجمل عصافير الأرض، ومات وهو لم يأكل، ومات وهو لم يشرب.

***

البنت الصغيرة بللت العصفور بماء الورد، ثم لفته في قماشة بيضاء غمست في العطر، ثم حفرت له في الغرفة قبرا، وقالت: قبل الدفن أصلي عليه، وبعد الصلاة أدفنه، ثم على قدمي أسير في الأرض، أقطف له كل الزهور، فأزين بها قبره، فيصير أجمل قبر.