انتهيت من قراءة رواية "أيام
الإمام" للروائي المصري "عاطف عبد الرحمن".
تبدأ أحداث الرواية بمشهد، قصير، لأسرة تجتمع
للاحتفال بأول ذكرى سنوية لوفاة الوالد، خاصة وأن وصية الميراث سوف تُعرف في هذه
المناسبة.
ويكون من نصيب الولد، الذي سيقدم لنا هذه
الرواية، والقادم من اغترابه في الخارج للدراسة لحضور هذه المناسبة على مضض، أجندة
حمراء، خصه بها هذا الوالد المتوف، تلك الأجندة التي ستكون، نفسها، الرواية التي
بين أيدينا، والتي سندخل في أحداثها مباشرة، بعد انتهاء هذا المشهد.
تحكي الأجندة، او الرواية، حوادث أيام، طالت
لعام كامل، قضاها، هذا الوالد المتوفي، ساكنًا غرفة في أحد الأحواش الخاصة بدفن
الموتى في ضاحية "الإمام الشافعي"، حيث يصور لنا، عبر شخصية "سعيد
سالم"، هذا المغترب من إحدى قرى "المنصورة" لظروف العمل، أحوال
الأحياء ساكني القبور، لينطلق منها مخترقًا الواقع السياسي، لم تحدد لنا الرواية
زمن هذا الواقع بدقة، فلم نعرف إن كان واقع "السادات" أم
"مبارك"، بواسطة شخصية "سليمان الريس"، الشاعر المعروف
والسياسي النشيط، والذي يسكن المقابر من شدة فقره، والذي يلقى مصرعه في اشتباكات
سياسية مع الأمن أمام نقابة الصحفيين بالقاهرة.
وفي حوش "الإمام"، تنشأ قصة حب بين
"سعيد سالم" والسيدة القوية، الوحيدة بعد موت زوجها العجوز منذ زمن،
والجميلة أيضًا، "أم آمال"، والتي سنكتشف على مشارف نهاية الرواية أن
اسمها الحقيقي هو "حورية".
تنتهي قصة الحب بفاجعة، فـ"حورية"
تسقط ،جنسيًا، مع حبيبها "سعيد سالم"، ولأن هذا الحبيب يغيب في مأمورية
لمدة خمسة عشر يومًا، تعتقد أنه قد رحل عنها مخلفًا لها عارها، ولأنها كانت المرأة
القوية في الحوش، والتي كانت تستنكر على نسائه سقطاتهم في مثل هذا الأمر، تشعل
النار في جسدها وتموت.
وتنتهي الرواية بمشهد، قصير جدًا، للإبن وهو
يغلق الأجندة عاقدًا العزم على ألا يقرأها أحد.
حملت لنا الرواية رائحة المكان باقتدار،
وصورته لنا حتى كدنا أن نلمسه، وجاءت الشخصيات حية ودافئة.
لكن ..
عانت الرواية، فيما نرى، من بعض المشاكل، كان
أهمها، على الإطلاق، العامل الزمني، نقصد زمن الرواية، فهناك خطأ ما أدى إلى
ارتباك في تحقيق الإيهام بشكل تام، مما جعلنا نبحث عن حدث ما يكون هو المرتكز الذى
سنضبط عليه زمن الرواية، كى نفهم، فوجدنا هذا الميزان بعد منصفها، تقريبًا، عندما
تكلم "سعيد سالم" عن قانون الاستصلاح الزراعي أيام "عبد
الناصر"، والذى نعلم أنه صدر في أوائل الخمسينيات، هنا يقول الراوي، مشيرًا
كيف أن كثيرًا من الفلاحين لم ينتفعوا بهذه الأرض التي تسلموها "وكان كل منهم
يعتز بأنه صافح عبد الناصر حين سلمه وثيقة تملك الأرض، لكنهم بعد سنوات، وربما قبل
ان يولد جيلي بدأوا في بيع هذه الأرض".
إذن، تسلم الفلاحون الأرض فى عام 1953
تقريبًا، وبعد سنوات بنوا فيها البيوت وزرعوا الأرض أكثر من مرة، واستدانوا من
البنوك، وفشلوا في السداد، باعوا الأرض، وفي رأينا أن الزمن الذى يستلزم انقضاؤه
لكل هذه المحاولات لن يقيل، بحال، عن عشر سنوات، ولقد ولد "سعيد سالم"، حسب
ما قال هو نفسه داخل الرواية، بعد كل هذا، أي بالتقريب 1963، وعندما ذهب إلى
"الإمام"، كان عمره، كما جاء فى الرواية، ثلاثين عامًا، لو أضفناها على
عام ميلاده المقترح، فلن يكون بمقدور "سعيد سالم" انجاب طفل يكون شابًا
مهاجرًا للتعليم فى 2012، خاصة وإنه من غير المعقول ان يكون البطل قد تزوج مباشرة
بعد احتراق حبيبته بسببه، كما كان يلوم نفسه.
جاءت اللغة أخف كثيرًا من أن تكون لغة رواية
أدبية، يمكن أن تكون إخبارية، فلم تهتم بوصف دقائق الأحاسيس، وإنما كانت دائما
تلهث خلف الإخبار، وتجري دونما أى تريث حيال صياغة جملة تحمل جمالها الإبداعي.
وكان لهذا أن يؤثر، حتمًا، على الأسلوب، فلا
توقف أمام لحظات إنسانية متوهجة، تصرخ بالكاتب أن يتوقف، ولو قليلا، بإزائها، مثل
مصرع أحد البلطجية أمام مقهي "كتكوت"، ومقتل "سليمان الريس"،
ولحظة اعتراف "أم آمال" له بالحب، التى جاءت فجائية إلى حد الفجاجة، ثم
ممارسة الحب، التى مر عليها الكاتب مرور الكرام الخجلين، ثم هذا الاحتراق للحبيبة،
والذى لم ير منه الكاتب سوى سقوط بطله مغمى عليه.
مشهد البداية، والنهاية، مشهدان لا فائدة
منهما أبدًا، عالة على الرواية، ربما يصلحان كمدخل ومخرج لفيلم سينمائى، لكنهما
صنعا هنا مأزقًا، كانت الرواية في غنى عنه.

إرسال تعليق