U3F1ZWV6ZTM4MjQwMDIxNTE0NTAyX0ZyZWUyNDEyNTExMjIxODk0Ng==

الحلو


 


 

بيتنا القديم واقف على أساسه منذ أربعين سنة، وكان هو البيت الوحيد هنا، لكن رجلا اسمه "الحلو" قدم إلى هذه المنطقة وقال: "هنا بجوار البيت القديم ابني بيتي".

بيتنا أصيل، لم يغضب، مع أن البيت الجديد لصق فيه، لكنه قال: "هذا بيت يؤنس وحدتي".

أمي على سطح بيتنا بنت عشة حمام، هذا منذ زمن، وحمامنا لونه أبيض، وأحمر، ولونه أخضر، وطبعه هادئ، على غير حوائط بيتنا لا يقف، مع أن أشجارا كثيرة واقفة هنا وهناك، مباح له الوقوف على أغصانها، وأنا على باب عشة حمامنا رسمت بيتا، ونخلة، وسمكة، وولدا بلا ذراعين واقفا مفرجا رجليه.

***

الرجل الذي اسمه "الحلو" لما اتم لصق بيته العالي جدا في بيتنا القديم جلب امرأته، وبنته، من بلاد بعيدة، وامرأته عيونها بيضاء، لكن بنته حلوة، نظرت لي، ونظرت لها، ولأن غرفة نومها ملصوقة في غرفة نومي تمنيت كثيرا لو أني أفري الحائط فأصنع ثقبا أرى منه كيف تنام؟ وأي لون هو لون قميص نومها؟

وهي لما كانت تقف فوق سطح بيتهم العالي حتى تراني كانت تنظر إلى تحت، وحتى أراها كنت أنظر إلى فوق، وكانت تغمز لي بعينيها، وكنت أغمز لها بعيني، وحمام بيتنا كان يقف على الحائط هادئا، فقط يهز رأسه فينظر إلى فوق، وإلى تحت.

***

المرأة التي عيونها بيضاء أشارت إلى سطح بيتنا، وقالت لرجلها: "هذا حمام على السطح".

زعق "الحلو"، وقال: "قومي ابني فوق سطح بيتنا عشة حمام، وسأضع لك فيها زوج حمام عجيب".

ومن مكان لا أعرفه جلب زوج حمام عجيب، وضعه في عشتهم ليلا فصار في الصباح حماما كثيرا، في حجم الطائرات، لا أعرف عدده، وكان كله أسود، وعيونه حُمر، فقلت في نفسي ما قالته أمي في نفسها: "هذا حمام شر".

بنت "الحلو" بعينيها تغمز لي كثيرا، وأمها تضحك، وتقول لي: "تعال اشرب شايا".

وحمامهم الذي في حجم الطائرات صار يضايق الناس، حتى أبي أرسل من بلاد الغربة مكتوبا قال فيه: "حمام الحلو يرمي الطوب على رأسي".

رسالة والدتي أزعجتني، فذهبت جريا إلى البيت العالي، وضربت بقبضتي بابه ففتحت امرأة "الحلو"، وقالت: "جئت تشرب الشاي؟!". قلت: "جئت أقول حمامكم حمام شر". ضحكت ضحكة الغوازي، وقالت: "بنتي بالداخل تتزين". قلت: "أنتي امرأة عيونك بيضاء.. أين الحلو؟". قالت: "لا أعرف يا قليل الأدب".

***

على غير عادتها أمي كانت مرتبكة، قلت: "أبي أرسل رسالة". قالت: "تأخر جدا". قلت: "حمام الحلو يرمي الطوب على رأسه". قالت: "عمك الحلو رجل طيب جدا.. وحمامه طيب". كانت الستارة الرمادية المرسوم عليها صورة قرد، المسدلة على شباك غرفة نوم أمي، تهتز، ولم يكن هناك هواء، قلت: "يا أمي.. أرى طربوش الحلو على سريرك!". لكنها امي على غير عادتها صمتت، وكانت نرتبكة.

***

صار الحمام الذي في حجم الطائرات يغير على سطح بيتنا فيقتل حمامي الملون، الذي طبعه هادئ، وصرت أرى كثيرا طربوش "الحلو" موضوعا على سرير أمي، وكثرت الرسائل من أبي، الذي في بلاد النفط: "الحمام يشعل النيران في الآبار".

وهاهي بنت الكلب، وأمها، يشيران إلي ويتغامزان وهما يرشفن الشاي.

يجب ان اخلو بنفسي، والخلوة لا تكون إلا تحت لحافي الثقيل، وقبل أن ادع دموعي الملتهبة تسح على وسادتي فتحرقها يجب أن أعرف كيف أحمي رأس أبي، ورؤوس الناس، في كل البلاد، من الطوب الذي يلقيه حمام "الحلو".

مجيد هذا العمل الذي سأقوم به، لهذا كالمعتوه يجب أن أزيح اللحاف عن جسدي ثم أكوره وألقيه في الأرض، وكالأرنب أقفز من فوق سريري، وكالعفريت أمر إلى بيت "الحلو" من الحائط الذي تمنيت لو أصنع فيه ثقبا فأقتل بنت الكلب النائمة في قميص لونه وردي، ثم أهبط على السلم فأقتل المرأة التي عيونها بيضاء، والرجل الذي اسمه "الحلو".

***

الولد قتل الثلاثة باسم الواحد، الأحد، الجبار، وقال: "أذهب إلى البناء المكتوب على واجهته ـ الشرطة في خدمة الناس ـ فأدخل إلى الضابط الذي في قلبه رفق، فأحكي له فيقول لي: ما فعلت هو الحق. ثم ربت على كتفي ويقول: إذهب".

صار الولد أمام الضابط، الذي كان ينظر في الأوراق، ولما طال به الوقوف تململ، ثم قال: "سيدي". رفع الرجل وجهه فرأى الولد عجبا!

كان هو نفسه ذلك الرجل الذي اسمه "الحلو". 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة