U3F1ZWV6ZTM4MjQwMDIxNTE0NTAyX0ZyZWUyNDEyNTExMjIxODk0Ng==

طقوس ذبح الديك


 


الجدَّة ربَّت، في "فسحاية" البيت الكبير، تسع دجاجات، وديك.

الديك بدين، وصوته متين، ولونه الأحمر مخلوط بالأخضر، والأصفر، وله عرف منصوب كحد السيف، ونظرته حادة، عندما يعثر على حبة القمح، أو قطعة الخبز، لا يأكلها، لكنه ينقرها ويقرقر، تسمع الدجاجات قرقرته، فتعرف أن الديك قد وجد لها الرزق، تسرع ناحيته، وأسبقها تكون صاحبة النصيب.

وفي عصرية يوم "سبت"، يوم الطبيخ في النجع، وضعت جدتي السكين بين أسنانها، وجرت خلف الديك، هي عجوز، لكنها عفية، أمسكت الديك، الذي صاح صيحات الفزع، داست بقدمها اليمنى على ساقيه، ثم بيدها اليسرى شدَّت رقبته، وبالسكين قطعت نصفها، فقفز منها الدم، وألقته بعيدا ليفرفط، فلم يفرفط، لكنه وقف، ونفض جسده، ومط رقبته، وصاح، فانسكب الدم من شق منقاره، وقف طويلا، والدم يخر، وهو ينقره بمنقاره، حتى وقع، وبدأ يفرفط، تخبط الديك في كل حوائط البيت، والدجاجات في أحد الأركان، تمد رقابها إلى أعلى، تنظر إلى الديك بعيون مندهشة.

أنا الذي في البندر ـ في الشقة، أو في الشارع ـ مسجونا بين جدران الأسمنت، لم أر الذبح من قبل، فانبهرت، لكني بكيت على الديك، وزعقت في وجه جدتي: ليه يا جده دبحتي الديك الحلو ده؟!

قالت، وهي ترفعه من رجليه: كيلو اللحم تمنه نار فـ "جهينه"، والديك مابيكسرش عـ"الفرُّوجات" زي بقية ديوك ربنا.

فوق الكانون، المسعور، الماء يغلي في قدر فخاري، غمرت جدتي الديك المذبوح فيه، ثم أخرجته، وهي تبعد وجهها عن البخار النتن الصاعد منه.

بدت جدتي امرأة صارمة بقلب ميت، ووجهها، الذي كرمشه الزمن، بدا كقطعة جلد مرتقة، ويدها اليمنى، المدربة على نتف الريش، تعمل بمهارة، ورويدا رويدا يتعرى الديك.

سألتها، وقد استفزتني قطعة الجلد المرتقة: سنك كام سنه يا جده؟!

السكين حادة، هوى نصلها على رقبة الديك فقطعتها تماما، ثم هوى على ساقيه، وجناحيه، ففصلتها عنه، قالت إنها لا تعرف سنها: "بس انا واعيه للي حصل سنة تسعطاشر".

علت ضحكتي وأنا أقول: ياااااه يا جده! دا انتي عمرك من عمر سيدنا "اسرافيل"!

غرست نصل السكين في مؤخرة الديك، ففتحت فتحة، أدخلت أصابعها فيها، لتلتقط الأحشاء، وسألتني: مين "سي رافيله" دهه؟!

قلت، وأنا أبحلق عيني: دا يا جده ملاك طويل طويل، راسه فوق فـ سابع سما، ورجليه تحت فـ سابع أرض، وفـ بوزه "صور".

جدتي دقت صدرها بيدها اليمنى، الملطخة بالدم، وهتفت: يا مُرِّى يا ولدي! وإيه الـ"صور" دهه؟!

قلت: دا يا جده حاجه زي الزماره، بس واسعه قوي، تسيع يجي عشرين نجع زي نجعنا ده.

ولولت جدتي: يا مُري يا مُري يا مُري.

أكملتُ، وخوف جدتي يجلي لي الوصف: وهو واقف كدا من زمااااان، مستني الأمر الإلهي، عشان ينفخ، فيكسر الدنيا، ويخلي القيامه تقوم.

الديك العاري، بلا رأس، ولا ساقين، ولا جناحين، يسبح في الماء الأحمر، المتراكم في الطست، وجدتي، التي امتلأت رعبا، ولت وجهها شطر السماء، ورفعت ذراعين تلطختا بالدماء، وعلا صوتها المتوسل: قادر يا كريم توقع الزمارة من إيده.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة