U3F1ZWV6ZTM4MjQwMDIxNTE0NTAyX0ZyZWUyNDEyNTExMjIxODk0Ng==

قانون "محبوب"


 

قانون "محبوب"

 

استهلال.

... وضعوها في هودج من صفيح صدئ، ثم وضعوا الهودج على سنام متهريء لجمل أعرج، ونفضوا أيديهم، وقالوا: "دعوه يدب في الأرض.. فهو صبور.. والقضية في هودجها أصبر منه"...

 

زمن "محبوب".

لكل زمان سلطان، وهذا الزمن سلطانه "محبوب"، و"محبوب" بيد قوية قبض على كل الممالك المرصوصة في الأرض، وبعين حمراء صاح: "أنا لا ند لي". ثم قال للرجل الهرم، مشرع القوانين: "صغ لي.. بعد ان تكتب الديباجة.. قانونا مقننا، نلجأ إليه إذا ما غزا أحد الناس أرض أحد الناس". فقال مشرع القوانين: "أختفي عن الأبصار عشرا وأصوغ الآتي: أنه في دولة السلطان محبوب، حامي حمى الدساتير، وبخصوص حالة إذا ما غزا احد الناس أرض أحد الناس شرع هذا القانون، وهو على رقاب العوام مسلط.. الحرب على الغازي حتى تُسترد الأرض.. فإن لم يستطع المغزو.. وكان راغبا في أرضه.. حلال للغازي كشف المستور.. ثم يدعها له.. هذا قانون محبوب.. وعلى المعترض يقام الحد".

 

نبأ جديد.

الهدهد، الذي أتى بالنبأ من مملكة "سبأ"، لمح الجمل الأعرج وهو يدب في الصحراء، فقال: "هذا نبأ جديد". ثم طار حتى سقط على الهودج الصدئ، ومن ثقب صغير انسل إلى داخله، فوجد كتابا يتأرجح على السنام المتهريء، فقال: "اقرؤه".

... أتى في الصفحة الأولى أنه على بر البحر الذي يملأ سرة الأرض، كان بيت بني من الطوب اللبن، تضيؤه في حلك الليل فتيلة مدعوكة بالدهن، ساقطة في كوز ممتلئ بالزيت، وكان لهبها ينفخ في سقف البيت أكواما من الهباب عندما التمع هذا اللهب فب عيني الرجل الهرم، الذي يحتضر، والذي كانت له يدان معروقتان من الكد، ومعاركة الزمن، وكان له ولدان: أحدهما لونه أحمر، والآخر لونه أسود. بيديه المعروقتين دفعهما إلى بعض، فلما رآهما تعانقا شهق، ومات.

ثم، في الصفحة الثانية، أتى أن الولد الأحمر، لما رأى والده مات، نظر إلى أخيه، وقال: البيت لي.. والأرض لي.. ولك أنت هواء العالم.. وماء العالم. الولد الأسود، لما رأى بادرة الخيانة، قال: نصف البيت لي.. ونصف لي.. وهواء العالم لي ولك.. وماء العالم لي ولك. وخنجر أبينا المعلق على الجدار تعال نغمده في قلب الخيانة. الولد الأحمر خطف الخنجر، وشهره في وجه أخيه، فالتمع على نصله اللهب، وقال: اغرب عن بيتي وأرضي.

وكان مكتوبا أن الولد الأحمر صار، بعد أن خاض في الزمن، رجلا أحمر، ونادته ناسه بالاسم "رابش"، فقال فيهم: "هاكم يا ناسي حديد الأرض.. فاصنعوا منه الطائرات.. والدبابات.. والمدافع.. واصنعوا منه قلبكم.. البيت بيتي.. والأرض أرضي.. وأنا سلطانكم.. موتوا من أجل السلطان الأحمر".

وفي الصفحة الرابعة قرأ الهدهد أن الولد الأسود خاض في الزمن فصار رجلا أسود، ودعته ناسه بالاسم "شاهين"، فقال فيهم: "لا بد لي من نصف البيت.. ولا بد لي من نصف الأرض.. اصنعوا الطائرات.. والدبابات.. واضرموا النار.. واخرقوا أخي". وقامت الحرب، وملأت أحداثها ألف ألف صفحة، قلبها الهدهد القلق بسرعة، ثم في آخر صفحة قرأ أن الناس، الذين كتبوا تواريخ الخطوب، يقولون إن الحرب دارت رحاها فطحنت الماء والهواء، وخلطت التراب بلحوم الناس، وإن الحرب دارت رحاها لكن شبرا واحدا من الأرض لم يستطع "شاهين" وضع قدمه عليه.

وتحت تاريخ آخر كتب الناس يقولون إن "شاهين" أيس، فأوصى ناسه: تشاوروا وأخبروني.. أنا يا ناس أريد حقي!

***

خرج الهدهد من الهودج الصدئ، وهز رأسه الصغير هزة العلم، وقال: أعرف الآن كل شئ.. ولا بد لي من إدراك حل.. أطير إلى "شاهين" الذي أرضه مغتصبة.. فأعلمه بقانون "محبوب".. ثم أطير إلى "رابش" الذي لونه أحمر.. فأعرف منه أي مستور يحب كشفه حتى يدع نصف الأرض، ونصف البيت.

***

الخاتمة.

تسلل في الظلام شبح "شاهين"، وسار حتى لامست قدماه حافة الأرض، فخلع القميص، والبنطلون، وخلع اللباس الذي يخبئ سوأته، ثم مشى حتى صار في عمق الأرض.

"رابش" رأى "شاهين" عريانا، في بؤرة الأرض، فابتسم، ثم مد يده إلى الجدار، وبسبابته ضغط على ذر فأضاء الشمس، و"شاهين" عريانا رأته الناس، والكلاب، والبقر، والعصافير، والنخيل، والسحب، رأسه فقط أسود، وجسمه كله يشع أحمر. 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة